top of page

التقييم السنوي للأداء لا يرفع الأداء (٢/٢)



وصلتني الكثير من الرسائل والأسئلة بخصوص مقالتي السابقة التي كانت بعنوان "التقييم السنوي للأداء لا يرفع الأداء, فلماذا الإصرار على إستخدامه؟" وكانت معظم الاستفسارات بخصوص استخدام منحنى التوزيع الطبيعي (Normal distribution Curvee) لتحديد مستوى الموظفين ومدى أستحقاقهم الترقية والعلاوة السنوية. ولكي نوضح الموضوع بشكل أكبر لابد أن نفهم منحنى التوزيع الطبيعي والذي يطلق عليه أحيانا منحنى الجرس لأنه يشبه شكل الجرس. يعتبر هذا المنحنى من أهم ركائز علم الإحصاء لأن توزيع البيانات تحدث بشكل طبيعي في كثير من الظواهر البشرية والبيولوجية بحيث تقع نصف البيانات على يسار الوسط ويقع النصف الآخر إلى اليمين, فعلى سبيل المثال عند حساب أطوال عدد كبير من الرجال فإن شكل منحنى الجرس يتكون مباشرة وعند مراجعة نتائج اختبارات الطلاب في الإختبارات القياسية يتكون كذلك شكل الجرس (الشكل 1.0) بحيث يكون الجزء الأكبر من الطلاب متوسط (C)، في حين أن عدد أقل من الطلاب سوف يسجل B أو D. وهناك نسبة أصغر من الطلاب يسجل A أو F.


(الشكل رقم ١ - منحنى التوزيع الطبيعي)

وبناءا على هذا التوزيع الطبيعي للبيانات فإن منحنى الجرس أصبح من أهم أدوات الإحصاء في كثير من علوم وتطبيقات الإدارة والاقتصاد والطب والهندسة ويتم إستخدامه في معظم جوانب حياتنا وأعمالنا اليومية سواء كان في مجال الصناعة أو التجارة أو التعليم أو غيرها. أهمية هذا المنحنى تكمن في أنه يساعد على فهم واستنباط الكثير من المعلومات باستخدام بيانات صغيرة لاتخاذ قرارات مهمه.

ويستخدم المنحنى الطبيعي مع التقييم السنوي للموظفين لتحديد مستوى أداء الموظف مقارنة مع باقي زملائه وعادة ماتحدد إدارة الموارد البشرية نسب معينة لكل مستوى أداء بحيث يمكن تحديد عدد الموظفين الذين يتم ترقيتهم او منحهم العلاوة السنوية. وتختلف النسبة المئوية من شركة لأخرى حسب السياسة المتبعة في الشركة. كثير من الشركات تستخدم نسبة ١٠-٨٠-١٠ بحيث تكون نسبة ١٠٪ للأداء العالي و٨٠٪ للأداء المتوسط و١٠٪ للأداء المنخفض وتوزع كالتالي:

  • ١٠٪ من الموظفين يحصلون على تقييم ٥ من ٥ (ممتاز)

  • ٢٠٪ من الموظفين يحصلون على تقييم ٤ من ٥ (جيدجدا)

  • ٤٠٪ من الموظفين يحصلون على تقييم ٣ من ٥ (جيد)

  • ٢٠٪ من الموظفين يحصلون على تقييم ٢ من ٥ (مرضي)

  • ١٠٪ من الموظفين يحصلون على تقييم ١ من ٥ (غير مرضي)

ومع أختلافي مع نظام التقييم وأستخدام منحنى التوزيع الطبيعي لتحديد مستوى أداء الموظفين بغرض رفع الأداء, إلا أني أريد أن أوضح طريقة التطبيق الخاطئة لهذا النظام في كثير من المنشاّت. وبسبب هذا التطبيق الخاطيء تصبح نتيجة التقييم غير صحيحة وظالمة لكثير من الموظفين فيؤدي ذلك الى ردود فعل عكسية لدى شريحة كبيرة من الموظفين. ولتوضيح الصورة سنأخذ المثال التالي:

شركة بها ١٠٠ موظف مقسمين على عشرة إدارات بالتساوي في كل إدارة عشرة موظفين. وحسب التوزيع الطبيعي للتقييم (الشكل 2.0) فأن المائة موظف سيتم تقييمهم على مستوى خمسة درجات للأداء (٥ تمثل أعلى مستوى أداء و ١ أقل مستوى أداء) كما في (الجدول 1.0) :


(الشكل رقم ٢ - تقييم منحنى التوزيع الطبيعي)


(جدول 1.0 - توزيع الموظفين على حسب منحنى الجرس على مستوى الشركة)

فإذا كان قرار الشركة أن من يحصل على علاوة ويستحق الترقية هم الموظفين الذين تقييمهم ٥ و٤ فقط, فإن ٣ موظفين فقط من كل إدارة (٣٠ موظف على مستوى الشركة) يمكن ترقيتهم وإعطائهم العلاوة السنوية.

المشكلة تكمن في أن معظم الشركات تطبق منحنى التقييم على مستوى الإدارات بشكل منفصل وليس على كامل الشركة وبهذا المفهوم يصبح لدى كل إدارة ثلاثة موظفين جيدين فقط يستحقوا الترقية والعلاوة ويقابلهم ثلاثة موظفين سيئين يستحقوا العقوبة أو على الأقل التأنيب وبشكل متساوي على مستوى جميع الإدارات. وهذا يعني أن نظام التقييم ينظر دائما إلى أن أداء جميع الإدارات متساوي ويمكن تمثيله حسب الشكل رقم ٣.


(الشكل رقم ٣ - توزيع أداء الإدارات على منحنى الأداء)

وهذا التطبيق يعني أن الثلاثة موظفين الذين حصلوا على تقييم مرتفع على مستوى أدارتهم يعتبروا من ضمن أفضل ثلاثين موظف على مستوى الشركة, والثلاثة موظفين سيئين الحظ الذين حصلوا على تقييم منخفض على مستوى إدارتهم يعتبروا من أسوأ ثلاثين موظف على مستوى الشركة, وهذا غير صحيح لأن مستوى أداء الإدارات مختلف وليس متساوي حيث أن أداء الإدارة مرتبط بعدة عوامل أهمها طريقة ومستوى أداء مدير الإدارة. كما يمكن لإدارة معينة أن يكون مستواها عالي بفضل أداء جميع موظفيها وليس ٣٠٪ من موظفيها لكن بسبب نظام التقييم هذا فإن ٧٠٪ من الموظفين الجيدين لن يحصلوا على أي ترقية أو علاوة بالإضافة لذلك فإن ٣٠٪ منهم سيحصلون على تقييم ١ و ٢ وهو الأسوء على مستوى المؤسسة على الرغم من أدائهم الجيد في الإدارة.

المشكلة أن تطبيق منحنى التقييم على مستوى الإدارات بهذا الشكل لن يرفع أداء هؤلاء الموظفين ولكن سيغير فكرهم سيكولوجيا بحيث يخلق تفاعلات جديدة داخل الإدارة يكون فيها تركيز الموظفين على كيفية الحصول على العلاوة والترقية أكبر من تركيزهم على تحسين أداء الشركة ونجاحها, فتكون ردة الفعل كالتالي:

١- عدم رضى عدد كبير من الموظفين عن هذا التقييم وبالأخص الموظفين الجيدين الذي تم ظلمهم بتطبيق النظام على مستوى الإدارة.

٢- طلب النقل لإدارات أخرى يمكن أن يحصلوا فيها على الترقية والعلاوة, بالتالي تفقد الإدارة موظفين جيدين ذو خبرة في موقع مهم فتخسر الشركة الخبرات المتراكمة لدى هؤلاء الموظفين ويهبط مستوى أداء تلك الإدارة بدل من أن يرتفع لأن هدف الموظفين الان أصبح الحصول على الترقية والعلاوة فقط.

٣- إذا لم يسمح لهم بالنقل ستتحول العلاقة بين الموظفين الى تنافس داخلي يحاول كل موظف إظهار تفوقه الفردي وإن كان عبر محاولة التقليل من أداء الزملاء أو عبر التودد للمدير وسيقل التعاون والعمل الجماعي في الإدارة وهذا سيؤثر بشكل سلبي على أداء الجميع وأداء الإدارة والشركة بشكل عام.

٤- سيلجأ مدير الإدارة لحلول وسطية لتسوية مشكلة تطبيق منحنى التقييم بعمل اتفاق داخلي مع الموظفين لتوزيع الترقيات والعلاوات بشكل متساوي بحيث يتم اختيار مجموعة معينة من الموظفين كل سنة للترقية والعلاوة, وهذا يلغي قيمة وهدف تقييم الأداء بالكامل.

وبذلك يصبح برنامج التقييم السنوي مجرد هدر للوقت وهدر للجهد ولن يكون هناك أي تغيير في الأداء للأفضل بل يمكن أن ينتج عكس ذلك!

التمثيل الصحيح لمستوى أداء الإدارات على منحنى الجرس يمكن تمثيله كما في (الشكل 4.0). فالمدير المتميز سيكون حريصا على مشاركة ورفع أداء جميع الموظفين فيكون مستوى أداء موظفيه مرتفع بشكل عام والعكس صحيح, فالمدير السيئ دائما مايكون مستوى أداء أفراد إدارته منخفض بشكل عام بسبب غيابه أو بسبب سوء إدارته. وعند تطبيق منحنى الأداء بهذا المفهوم على أداء الإدارة ككل بشكل عام يصبح التقييم من إدارة لإدارة مختلف بحيث يمكن أن يحصل جميع موظفي الإدارة رقم واحد على تقييم ٥ و٤ فبالتالي يستحق جميع موظفي الإدارة على الترقية والعلاوة السنوية.


(الشكل رقم ٤ - توزيع أداء الإدارات على منحنى الأداء)

وفي المقابل يحصل موظفي الإدارة رقم ١٠ على تقييم ٢ و١ لضعف أداء الإدارة بشكل عام بسبب سوء إدارة مديرها. وهذا يعني أن مستوى أداء الموظفين مرتبط بأداء الأدارة ككل (نظام العمل في الأدارة) والمتمثل في إداء قائد الإدارة القادر على تغيير وتطوير نظام العمل لتحسين الأداء.

عندما يكون التركيز على أداء المدراء أكثر من التركيز على أداء الموظفين يكون رفع أداء الإدارة مرهون بإصلاح موظف واحد بدل من محاولة إصلاح جميع موظفي الإدارة.

وإذا وسعنا نظرتنا بشكل أكبر فإن للشركة أيضا مستوى معين من الأداء يمكن مقارنته مع باقي الشركات المنافسة في السوق (شكل ٥). ومستوى أداء الموظفين دائما ما يكون محصور داخل مستوى أداء الشركة التي يعملوا بها. ولرفع أداء الموظفين في أي شركة لابد من رفع أداء أنظمة العمل داخل الشركة وهذا مرهون بمستوى أداء القيادات التي تصنع نظام وبيئة العمل في الشركة وبالتالي ترفع أو تخفض أداء الشركة ككل. وهذا ما نفعله في برامج تميز الأداء المؤسسي حيث يكون التركيز على تقييم أداء أنظمة العمل ومساعدة القيادات ليكونوا أكثر فعالية عبر تبني نظام أداري شامل ومترابط لرفع أداء المؤسسة.


(الشكل رقم ٥ - توزيع أداء الشركات على منحنى الأداء)

وأخيرا من الصعب لأي موظف مهما كان أداءة جيدا أن يتجاوز مستوى أداء الشركة بشكل عام, فعندما يتقابل موظف جيد مع نظام عمل سيئ فأن نظام العمل السيئ دائما ينتصر على الموظف ويعيده لمستوى أداء الشركة ولن يكون للموظف الجيد الأ خيار التماشي مع مستوى هذا النظام السيئ او ترك الشركة والذهاب للعمل في شركة افضل بنظام عمل جيد. لذلك التركيز على تقييم أداء الموظف غالبا لا يؤدي لرفع أداء الشركة مالم يتم التركيز على رفع أداء نظام العمل بشكل عام والمرهون بأداء قادته.

--

الدكتور محمد حامد العميري

مستشار وباحث ومحكم في تميز الأداء المؤسسي وفي مجال الإبداع في الأعمال وتحسين الأداء.

دكتوراه في الهندسة الصناعية وماجستير في إدارة أعمال.

741 views0 comments
bottom of page